الكتاب المقدس

الكتاب المقدس كلمة الإله، هو أكبر ينبوع ذُخِّرَت لنا فيه قوة الإله، إنْ كنا نريد أنْ نتمتع بهذه القوة فعلينا أنْ نعرف الطريق إلى كتاب الإله. كثيرون يَضِلّون الطريق، فبينما هم يُصلُّون طالبين القوة نراهم يُهمِلون الكتاب المقدس، وبينما هم يشتاقون إلى الثمار المتكاثرة في حياة الخدمة ينسون قول الرب يسوع نفسه “إنَّ الزرع هو كلمة الإله” (لوقا11:8).

إنهم يشتاقون إلى القوة التي تذيب القلوب الباردة وتحطِّم الإرادة الصخرية، وينسون القول الإلهي “أليست كلمتي كنارٍ وكمطرقةٍ تحطِّم الصخر” (إرميا29:23). إنْ كنا نرغب في الحصول على القوة في الحياة الروحية وفي خدمة الفادي ينبغي أنْ نتغذّى باستمرار بكلمة الإله، فليس هناك مصدر آخر للقوة. وكما أننا نَضْعُف في قوانا الجسدية إذا أهملنا الغذاء المناسب، كذلك فإننا لا نستطيع أنْ نجد الطريق إلى القوة الروحية إذا لم نصرف يومياً وقتاً كافياً في دراسة كلمة الإله. وسنتأمل الآن في فوائد دراسة كلمة الإله.

أولاً: التبكيت على الخطية
نقرأ في سفر (أعمال37:2) هذا القول الإلهي: “فلما سمِعوا نُخِسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة”، لقد كانت كلمة الإله هي السبب في أنهم نُخِسوا في قلوبهم. عندما نقرأ عظة بطرس في يوم الخمسين نلاحظ أنها أقوى عظة كتابية، وأنها عظة مليئة بكلمة الإله من بدايتها إلى نهايتها، لأجل هذا فإنَّ كلمة الإله بقوة الروح القدس نَخَست هؤلاء الناس في قلوبهم، فإنْ كنت تريد أن يتبكَّت الناس على خطاياهم قدِّم لهم كلمة الإله. منذ مدة سمعت أحدهم يصلي قائلاً: “يا رب بكتنا على الخطية”، لقد كانت صلاة جميلة بدون شك، ولكن ما لم تأتي هذه النفس إلى السبيل الوحيد الذي أعده الإله للتبكيت على الخطية فلن تستطيع أن تحصل على هذا التبكيت. وهذا الحال أيضاً إذا كنا نريد أنْ يحصل الآخرون على التبكيت، ينبغي أن نقودهم إلى كلمة الإله الحية الفعّالة.
سألت أحدهم مرة: هل سلمت حياتك للمسيح؟ فأجاب بالنفي، واستطرد يقول: “أظن أنَّ المسيحية ديانة تكلَّف كثيراً وليس لدي استعداد لهذه التضحية”، عندئذ قلت له: “هل تعلم أنك خاطئ؟” فأجاب: “نعم إنني من الشباب الهادئ الطيب”، قلت له: “يا عزيزي، أنت لا تشعر بتبكيت على خطاياك، إنَّ الكتاب الذي في يدي هو الطريق الذي أعده الإله للتبكيت على الخطية”. ثم طلبت منه أنْ يقرأ ما وَرَدَ في (متى37:22-38) “فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى”، وبعد القراءة سألته: أية وصية هذه؟ فأجاب قائلاً: إنها الوصية الأولى والعظمى، عندئذ قلت له: على ضوء هذه الكلمات ما هي أول وأعظم خطية؟ فكان جوابه المنطقي هو: أعتقد أنَّ أول وأعظم خطية هي عدم حفظ الوصية الأولى والعظمى. وفي هدوء قدَّمت له هذا السؤال الأخير: هل تحفظ هذه الوصية؟ وكان أمراً مباركاً وجميلاً أنَّ الروح القدس قاد هذه الكلمات إلى أعماق قلبه في تلك اللحظة، ولم يَمْضِ وقت حتى كان راكعاً بجواري وقد نال الخلاص الثمين بدم المسيح.
ثانياً: تجديد الحياة
نقرأ في رسالة الرسول (1بط23:1) هذا القول المبارك: “مولودين ثانيةً لا من زرْعْ يفنى بل ممّا لا يفنى بكلمة الإله الحية الباقية إلى الأبد”. ونقرأ أيضاً في (رسالة يعقوب 18:1) هذا القول الإلهي: “شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه”. إنَّ الطريق إلى التجديد ونوال الميلاد الثاني سهلٌ وواضح، حين نفتح القلب لدخول كلمة الإله التي تقدِّم لنا المسيح المصلوب والمسيح المُقام، وحين نرفع القلب إلى الإله بالإيمان، لا شك أننا ننال التجديد. وبنفس هذه الطريقة يمكن أنْ نرى الآخرين يخلصون إذا قدَّمنا لهم كلمة الإله. إنَّ نوال التجديد ليس صعباً من جانب الإنسان، لكنه من جانب الإله عمل عجيب لا يمكن أنْ نصل لعمقه. فمن جانب الإنسان لنلاحظ أنَّ القلب البشري هو التربة، وأنت وأنا كجماعة مؤمنين نزرع الكلمة وكلمة الإله هي الزرع الذي نزرعه في التربة، والإله هو الذي يتعهَّد هذه البذار ويُنميها في القلوب، وعندما تسكن كلمة الإله بالإيمان في القلب فلابد أنْ تُثمر بالحياة الجديدة.
الميلاد الثاني معناه دخول طبيعة جديدة في القلب، إنها طبيعة الإله، ولكن كيف يمكن أنْ نكون شركاء الطبيعة الإلهية؟ نقرأ في رسالة (2بط4:1) أننا صرنا بهذه المواعيد العُظمى والثمينة شركاء الطبيعة الإلهية. إنَّ كلمة الإله هي الزرع الذي بواسطته تَنْبُت الطبيعة المقدسة في قلب الإنسان.
ثالثاً: نوال الإيمان
في الرسالة إلى أهل (رومية17:10) نقرا هذه الكلمات “الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الإله”. إنك لا تستطيع إطلاقاً أنْ تحصل على الإيمان بمجرد الصلاة، ولن تحصل على الإيمان بتوجيه الإرادة أو العزيمة نحو هذا الاتجاه، إنَّ الطريق الوحيد للإيمان هو كلمة الإله، وهذا ما نلمسه في إيمان الخلاص، فإذا أردت أنْ تقود شخصاً إلى الإيمان الذي يخلِّصه من خطاياه، فقدم له بكل بساطة أقوالاً واضحةً مناسبةً من كلمة الإله ليستند عليها. هذا ما حصل مع سجّان فيلبي كما نقرا في الأصحاح السادس عشر من سفر الأعمال ، لقد كان سؤاله: “يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟” أجابه الرسول بولس بالقول: “آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك”. لكن الرسول لم يقف عند هذا الحد بل نقرأ في العدد الثاني والثلاثين من نفس الأصحاح أنهما – بولس وسيلا- “كلّماه بكلمة الإله هو وجميع أهل بيته”. لم يطلبا منه مجرد الإيمان بالرب يسوع المسيح ثم تركاه يَتَخَبَّط في الظلام دون أنْ يقدِّما له أساساً ثابتاً ليستند عليه، لكنهما أوضحا له بكل جلاء طريق الإيمان كما تعلنه كلمة الإله.
كثيراً ما نفشل في هذه النقطة إذ نطلب من الخطاة أنْ يؤمنوا دون أنْ نوضِّح لهم الطريق أو نقدِّم لهم شيئاً ليستند عليه هذا الإيمان. عندما تطلب من شخص ما أن يسلم حياته للمسيح، فإن الطريق الكتابي الصحيح هو أنْ تقدِّم له فصلاً كتابياً مثل الأقوال الواردة في (أشعياء6:53) عن المسيح المصلوب، أو ما ورد في رسالة (1بط24:2) عن المسيح المتألم وغير ذلك، وبهذه الطريقة يمكن للخاطئ أنْ يثَّبت إيمانه على كلمة الإله، لأنَّ الإيمان لا يبني قصوراً في الهواء لكن لابد له من أساس يستند عليه، وهذا الأساس هو كلمة الإله.
وما قلناه عن إيمان الخلاص نقوله عن الإيمان المجاهد في الصلاة، عندنا الوعد الإلهي في إنجيل(مرقس24:11) “لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم”. فلكي أحصل على الطلبات التي أريدها ينبغي أنْ يكون هناك إيمان، والإيمان الحقيقي لابد من مستند يرتكز عليه. قبل أنْ يكون عندي الإيمان الصحيح الذي به أنال ما أطلب ينبغي أنْ أستند على وعد من الإله في كلمته الحية، أو أنْ أستند على إرشاد صريح وواضح من الروح القدس. والآن ماذا تفعل يا تُرى؟.
عندما نقترب من عرش النعمة ولنا طلبات معينة نريد أنْ نحصل عليها ينبغي أنْ نسأل أنفسنا هذا السؤال المهم “هل يوجد وعد في كلمة الإله يتعلق بهذا الطلب الذي نريده؟” لندرس كلمة الإله حتى نجد هذا الوعد الإلهي، وعندئذ نعرض طلبنا أما الإله متمسكين بهذا الوعد. إنَّ الطريق الوحيد للحصول على الإيمان الذي يجاهد في الصلاة أمام الإله هو دراسة كلمة الإله ومعرفة المواعيد العُظمى والثمينة التي لنا فيها والتمسك بها أمام الإله عندما نسكب قلوبنا في حضرته.
وبنفس الطريقة نستطيع أنْ نحصل على الإيمان الذي يزيل الشكوك بواسطة دراسة كلمة الإله، لنفرض أنك تتعامل مع أحد المتشككين أو الملحدين وتريد أن يصل الإيمان إلى قلب ذلك الرجل، هل تعطيه بعض الكتب التي تتحدث عن صحة الديانة المسيحية؟ صحيح أنَّ هذه الكتب نافعة إلى حدٍ ما، لكن لماذا نذهب بعيداً وعندنا الكتاب المقدس المُؤَيَّد بقوة الروح القدس وفيه من الكفاية والإقناع ما هو أفضل بكثير من آلاف الكتب في المكتبات المختلفة؟ يقول الكتاب المقدس في إنجيل (يوحنا31:20) “أما هذه فقد كُتِبَتْ لتؤمنوا أنَّ يسوع هو المسيح ابن الإله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه”.
ثم نلاحظ أيضاً أنَّ الإيمان المنتصِر على العالم وعلى الجسد وعلى الشيطان هو الإيمان المنتصِر في عرش النعمة عن طريق كلمة الإله.
في بدء خدمتي الروحية قرأت عظة لأحد رجال الإله الأتقياء قال فيها أنَّ المؤمن الحقيقي لا يصلح لشيء إذا لم يكن قوياً في الإيمان، ومنذ تلك اللحظة اقتنعت بهذه الحقيقة وعزمت أنْ أكون قوياً في الإيمان، وبدأت طريقي في الخدمة وأنا أحاول الحصول على الإيمان القوي، لكن كل جهودي فشلت، إلى أنْ جاء وقت تمسَّكْت فيه بهذا القول الإلهي: “الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الإله” (رو17:10)، وعندئذ فهمت سر الإيمان القوي، وكان هذا من أعظم الدروس التي تعلمتها في حياتي، ومنذ ذلك الوقت بدأت بتغذية إيماني على كلمة الإله، وكلما ازدادت معرفتي بكلمة الإله كلما تقوى إيماني من يوم إلى آخر.
رابعاً: طهارة الحياة
كلمة الإله لها القوة، ليس فقط أنْ تَنْزَع النجاسة من القلب، بل أنها أيضاً تطهر ينابيع النفس الداخلية، فإذا أردنا أنْ نتمتع بنقاوة الحياة في الخارج والداخل ينبغي أنْ نغتسل باستمرار في كلمة الإله وأنْ نتخذها مقياساً لحياتنا الروحية.
في المدن الصناعية التي يكثر فيها تصاعد الدخان حتى يشعر به المارة في الشوارع وتتسِخ أيديهم وتكون الحاجة مستمرة إلى الاغتسال للاحتفاظ بنظافة الجسم، ونحن كمؤمنين نعيش في عالم مليء بأتربة الشهوات وتتصاعد منه روائح الخطية والفساد، نحتاج ونحن نعبر طريقنا يوماً بعد الآخر أن نغتسل باستمرار بالكلمة الحية إذا أردنا أنْ نعيش في طهارة السيرة وقداسة السلوك. نحتاج كل يوم أنْ ندخل إلى مرحضة كلمة الإله وأنْ نطبق الكلمة على حياتنا حتى لا تتعثّّر أقدامنا، أو تنزلق خطواتنا، أو تتعطل شهادتنا. “بِمَ يُزَكي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك” (مز9:119).
خامساً: بنيان الحياة الروحية
في سفر (الأعمال32:20) نقرأ هذه الأقوال المباركة، “والآن أستودعكم يا إخوتي للإله ولكلمة نعمته القادرة أنْ تثبتكم وتعطيكم ميراثاً مع جميع القديسين”، بهذه الكلمات يُوَدِّع الرسول بولس القديسين في أفسس.
في هذه الأيام نسمع كثيراً عن بناء الأخلاق وتكوين الشخصيات الناجحة، ولا سبيل للوصول إلى ذلك إلا بالرجوع إلى كلمة الإله، حيث نقرأ في رسالة (2بط5:1-7) عن الفضائل المسيحية السبعة إذ يقول: “قدموا في إيمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففاً، وفي التعفف صبراً، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية،وفي المودة الأخوية محبة”.
إنَّ مشكلة المؤمنين اليوم هي الاكتفاء بالقليل من هذه الفضائل، والسبب في ذلك هو الإهمال في دراسة كلمة الإله. كل من يريد أنْ ينمو وأنْ يبني نفسه في الحياة الروحية ينبغي عليه أنْ يتغذى باستمرار وبوفرة بالغذاء الروحي الممتلئ من كل مستلزمات القوة ومستلزمات النمو، ألا وهو كلمة الإله.
سادساً: حكمة التصرف
يقول النبي داود في (مز130:119) “فَتْحُ كلامك يُنير يُعقِّل الجُهال” إننا نجد في الكتاب المقدس ينبوعاً للحكمة أفضل بما لا يقاس من كل ما في كتب العالم جميعاً، وكل من يدرس كلمة الإله جيداً يزداد بالحكمة التي من فوق، الحكمة التي تَصلُح في الزمان الحاضر وتَصلُح للأبدية أيضاً الحكمة التي يحتاج العالم الشرير الحاضر أنْ يعرفها، بل الحكمة التي تتلهف عليها القلوب المتعطشة في سراب هذا العالم الخادع.
ولا شكَّ أنَّ الشخص الذي يدرس الكتاب المقدس ويهمل دراسة الكتب الأخرى، أفضل بما لا يقاس من الشخص الذي يدرس الكتب الأخرى ويهمل دراسة كلمة الإله، بل إنَّ الشخص الذي يدرس كلمة الإله ويتغذى بها، يُخرِج من كنز قلبه الصالح كلاماً نافعاً للبنيان، وهذا ما نلمسه في تاريخ الكنيسة المسيحية عامةً، فأولئك الرجال الذين تركوا آثاراً خالدة وعملوا إصلاحات عظيمة سواء دينية أو اجتماعية، الرجال الذين كانت الجموع تتقاطر للاستماع إليهم، كانوا جميعاً رجال الكتاب المقدس ، ورغم عدم معرفتهم بأساليب العلوم المختلفة إلا أنَّ معرفتهم بالكتاب المقدس كانت لهم كنزاً ثميناً وقوة دافعة من كل وجه. إنني أفضِّل ألف مرة أن أجلس مع أمثال هؤلاء وأستمع إلى كلمات الحكمة والبنيان الخارجة من أفواههم، على أنْ أستمع إلى كثيرين ضالعين في علوم الفلسفة والطبيعة وغيرها، الذين لا يعرفون شيئاً عن كلمة الإله. لأنَّ “كل الكتاب هو موحى به من الإله ونافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الإله كاملاً  متأهباً لكل عمل صالح” (2تي16:3-17).
سابعاً: التأكيد بالحياة الأبدية
نقرأ في رسالة (1يو13:5) هذه الكلمات “كتبْتُ إليكم أنت المؤمنين باسم ابن الإله الحي لك تعلموا أنَّ لكم حياة أبدية”، إنَّ هذا التأكيد تأكيد الحياة الأبدية، نحصل عليه عن طريق كلمة الإله. مرات نتقابل مع شخص لم يتأكد بعد من نواله الحياة الأبدية، هل تطلب منه أنْ يصلي حتى يحصل على الحياة الأبدية؟ كلا بكل تأكيد، لكننا بكل بساطة نقدم له ما ورد في إنجيل (يو36:3) “من يؤمن بالابن له حياة أبدية”، ونستمر معه من هذه النقطة حتى يصدِّق كلمة الإله ويرى فيها يقين الحصول على الحياة الأبدية، لأنه يؤمن بابن الإله الوحيد يسوع المسيح.
ثامناً: سلام القلب
في (مزمور8:85) يقول الوحي المقدس على لسان داود النبي: “إني أسمع ما يتكلم به الإله الرب لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولأتقيائه”.
يتطلع الكثيرون في هذه الأيام إلى السلام، بل ويُصلّون لأجل السلام غير عالمين أنَّ السلام العميق في القلب لا يمكن أنْ نحصل عليه بعيداً عن كلمة الإله والكتاب المقدس يقدم لنا في مواضع كثيرة أساساً عميقاً للسلام الداخلي، وحينما نستند على هذه الأقوال المقدسة لابد أنْ يهرب من حياتنا كل قلق وانزعاج، ولنأخذ مثلاً ما ورد في رسالة (رومية28:8) “ونحن نعلم أنَّ كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الإله الذين هم مدعوون حسب قصده”، وحينما نتمسك بهذه القوال الإلهية فلا يوجد شيء في الوجود يستطيع أنْ يزعزع سلامنا أو يُضعف ثقتنا في إلهنا الصالح الذي معه أمرنا.
بل لأنَّ كلمة الإله تعطينا مع السلام، الصبر والتعزية والرجاء، وهذا ما نراه واضحاً في رسالة (رومية5:15) “وليعطكم إله الصبر والتعزية أن تهتموا اهتماماً واحداً فيما بينكم بحسب المسيح يسوع”.
تاسعاً: الفرح والبهجة
ما أجمل الكلمات التي يذكرها النبي إرميا إذ يقول: “وجد كلامك فأكتله فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي” (إرميا16:15)، والرب يسوع نفسه يقول في هذا الصدد هذه الكلمات العذبة “كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم” (يو11:15). ومن هذا يتضح بجلاء أنْ كلمة الإله تستطيع أنْ تفيض في قلوبنا بالفرح الكامل. ومن الواضح أيضاً أنَّ العالم بكل مسراته لا يستطيع أنْ يهب للقلب مثل تلك البهجة التي تتدفق وتفيض في قلب كل واحد من أولاد الإله المفديين بدم المسيح عندما يستندون إلى كلمة الإله الحية التي تعمل في قلوبهم بقوة الروح القدس.
عاشراً: الحفظ من الخطية والضلالات
يقدم الرسول تحذيراً صارماً لشيوخ كنيسة أفسس بشأن الضلالات والبدع التي كانت تزحف بينهم إذ نقرأ في سفر (أعمال29:20-32) “احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية لأني أعلم هذا أنه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة… ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية…” وفي ختام هذا التحذير الخطير يستودعهم للإله ولكلمة نعمته.
وبنفس هذا الهدف يقدم الرسول بولس النصيحة الختامية قبل استشهاده لتلميذه تيموثاوس أسقف كنيسة أفسس إذ يقول ” ولكن الناس الأشرار المزوِّرين سيتقدمون إلى أردأ مُضِلّين ومُضَلّين وأما أنت فأثبت على ما تعلمت وأيقنت عارفاً ممن تعلمت” (2تي14،13:3). ولا شك أنَّ المؤمن الذي يتغذى باستمرار بكلمة الإله ويلهج فيها نهاراً وليلاً يتمتع بأكبر وقاية ضد ضلالات وبدع هذه الأيام الأخيرة التي نعيش فيها. كما أنَّ إهمال دراسة كلمة الإله كان السبب المباشر في وقوع الكثيرين فريسة سهلة لتلك التعاليم الضالة التي حاول عدو الخير جاهداً أنْ ينفث سمومها داخل الكنيسة المسيحية في أيامنا الحاضرة.
وكلمة الإله لا تحفظنا من الوقوع في الضلالات فقط، بل إنها تحفظنا من الوقوع في الخطية أيضاً، فنحن نقرأ في (مز11:119) “خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطئ إليك”، فالمؤمن الذي يدرس كلمة الإله بانتظام كل يوم يتحصَّن ضد هجمات ومكايد إبليس، المؤمن الذي لا يتغذى بكلمة الإله يترك باباً مفتوحاً في حياته يمكن أنْ يدخل منه عدو الخير، ولنا نحن المؤمنين أعظم قدوة في الرب يسوع المسيح نفسه الذي واجه التجربة وانتصر عليها بالمكتوب. اعتقد انه أصبح واضحاً مما سبق ذكره في هذا الفصل أنَّ الخطوة الأولى للتمتع بملء القوة الروحية سواء في حياتنا أو في خدمتنا هي دراسة كلمة الإله، وحيث تُهمَل دراسة كلمة الإله فلا سبيل للتمتع بهذه الحياة الفاضلة.
ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا أنْ نقر بهذه الحقيقة التي تظهر واضحة سواء في الكتب التي تتحدث عن أسرار القوة الروحية أو في العظات النارية التي تحدَّث بها رجال الإله الأتقياء، هذه الحقيقة هي أننا نمجد عمل الروح القدس، لكننا نهمِل الواسطة التي عن طريقها يعمل الروح القدس عمله العجيب، وتكون النتيجة مجرد حماسة وقتية دون أنْ نجد استمراراً في النمو الروحي أو ثمراً متكاثراً لمجد الإله. نحن لا نستطيع أنْ نحصل على هذه القوة ونحتفظ بها في حياتنا وفي خدمتنا ما لم تكن لنا دراسة عميقة وشبع حقيقي بكلمة الإله.
إذا كنا نريد لأوراقنا ألا تذبل ولكل ما نصنعه ينجح، ينبغي أنْ تكون مسرتنا في ناموس الرب وفيه نلهج نهاراً وليلاً.
لعله من السهل علينا كثيراً، بل ومما يتناسب مع تكاسلنا الروحي أنْ نذهب إلى أحد الاجتماعات، أن نحضر بعض النهضات ونطلب ملئاً من الروح القدس. إنَّ هذا يبدوا أسهل علينا من أنْ نطيل المكوث يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد الأخرى، ونحن نستخرج غذاءً لأنفسنا من كلمة الإله الحية. ينبغي أنْ نعلم أنَّ الامتلاء القدس سرعان ما يفقد قوته إنْ لم يستند باستمرار على دراسة منتظمة وعميقة في كلمة الإله.
ولنلاحظ أنَّ الرسول بولس الذي يحرِّض المؤمنين في أفسس أنْ يمتلئوا بالروح القدس (أفسس18:5)، يحرِّض المؤمنين أيضاً في كولوسي أنْ تسكن فيهم كلمة المسيح بغنى (كو16:3)، لأنَّ الرسول بولس يعلم جيداً أنه لا يوجد امتلاء حقيقي بالروح القدس خارجاً عن الدراسة العميقة لكلمة الإله في عرش النعمة.
0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments