الصــــــــــــــــــــوم

الصوم الديني هو الامتناع عن كل نوع من أنواع الطعام، والإعتكاف عن الأشغال والأقوال والأفكار العالمية، وعن كل لذات الجسد – والإمتناع عن الطعام في حد ذاته ليس جزءاً من العبادة الدينية، لكنه إذا اقترن بالصلاة والتذلل كان واسطة معينة من الإله نستعد بها لممارسة أمور العبادة.

والصوم كالصلاة إما أن يكون فردياً او عائلياً أو كنسياً، ولكنه في كل حالاته لا بد له من دواع تدعو إليه وفي هذا يختلف الصوم عن غيره من وسائط النعمة، فالصلاة يجب أن تكون في كل حين (لوقا1:18) وكذلك التسبيح (عب15:13) وقراءة الكلمة (مز 2:1) “لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً ” أما الصوم فلا بد أن يكون هناك ما يستدعيه.

دواعي الصوم:

1- من دواعي الصوم الرغبة في التعمق الروحي بفحص النفس أمام الإله والتذلل قدامه وسكب القلب لديه، والرغبة في انهاض الحالة الروحية سواء للفرد أو العائلة أو الكنيسة.

قال الرب بفم يوئيل النبي “قدسوا صوماً، نادوا باعتكاف” (يؤ 15:2).

2- ومن دواعي الصوم طلب نجاح الخدمة الروحية كما كان التلاميذ “يخدمون الرب ويصومون” (أ ع 1:13 و 2). وكما ذكر بولس في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الإله في صبر كثير… في شدائد.. في أتعاب، في اسهار، في أصوام…” (2 كو 4:6-8) (وكذلك في 2 كو 27:11).

3- كذلك من دواعي الصوم طلب القوة لقهر العدو الروحي، فقد قال السيد المسيح عن حالة من حالات تملك الشيطان لأحد الأفراد “هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم” (متى 19:17-21).

4- من دواعــي الصوم طلب الهداية والحماية والنجاة من المخاطر كما صلى عزرا ونادى بصوم” لكي نتذلل أمام إلهنــا، لنطلب منــه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل مالنا.. فصمنا وطلبنا ذلك من إلهنا فاستجاب لنا” (عزرا 21:8-23).

وكما تذلل أهل نينوى وصاموا (يونان 5:3)” فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم الى صغيرهم “وكمــا طلبت أستيــر من شعبها أن يصــوم لكي ينقذها الإله من غضب الملك عندما تدخل إليه (أستير 3:4، 16).

مميزات الصوم

1- السرية

فالصوم تذلل شخصي أمام الإله وهكذا أوصى السيد المسيح “متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.. وأما أنت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية” (متى 16:6-18) – لذلك فالإعلان عن الصوم أمر غير كتابي إذا كان المقصود بالصوم تذلل شخصي للرب.

2- تكون مدة الصوم عادة يوماً من المساء الى المساء.

فإن الصـــوم المفروض على الشعب القديم هو يوم الكفارة “فتذللون نفوسكم … من المساء الى المساء” (لاويين 29:16) وعندما تذلل يشوع في صومه على كسرة الشعب “سقط على وجهه الى الأرض امام تابوت الرب الى المساء هو وشيوخ اسرائيل” (يش 6:7) وأجابه الرب بعد ذلك.

وكذلك داود ورجاله لما حزنوا متذللين أمام الرب من أجل كسرة الشعب “صاموا الى المساء” (2 صم12:1).

وفي (إشعياء 3:58-5) يرد الإله على شعبه الذي يقول له لماذا صمنا ولم تنظر فيقول: “ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخرون… أمثل هذا يكون صوم اختاره؟”.

وفي هذا إشارة أن الصوم لمدة يوم وقد يتكرر من حين لآخر من قبيل اللجاجة التي أوصى بها الرب، ولكن عادة تكون هناك فترة بين يوم وآخر.

وإذا قيل إن داود صام من أجل ابنه المريض سبعة أيام نرد بالقول أنه كان ينبغي أن يفهم مشيئة الرب من اليوم الأول ويخضع لمشيئته ويسمع لمشــورة شيوخ بيته ولكنه لم يسمع، وصام بلا طائل وفي النهاية مات الولد (2 صم 15:12-23).

وإذا قيل إن دانيال صام ثلاثة أسابيع متصلة نرد بأن هذا لم يكن صوماً. لأن الصوم امتناع عن الطعام او الشراب.

أما دانيال فكان يأكل ويشرب من غير الأطايب لأنه كان في مناحة شخصية على مستقبل شعبه كقوله “كنت نائحاً ثلاثة اسابيع أيام، لم آكل طعاماً شهياً ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر، ولم أدهن” (دا2:10 و3).

ونلاحظ أن المناحة قد تصل بالانسان الى حد الامتناع عن كل أكل وشرب لنهاية اليوم، وقد سميت هذه المناحة صوماً (2 صم 11:1 و 12، 31:3 و 35).

عندما صام داود ورجاله الى المساء وهم يندبون ويبكون موت شاول ويوناثان وعلى موت أبنير.

وهذه ليست عبادة ولكنها مناحة لسبب واضح جلي.

3- ومن مميزات الصوم الانقطاع التام طيلة اليوم عن الأكل والشرب.

مثل أهل نينوى (يونان 5:3-7).

وشعب أستير (أستير 15:4 و16).

وهذا لأنه من ضمن ما يعنيه الصوم الإقرار القلبي بعد استحقاقنا حتى للخبز الذي نأكله أو الماء الذي نشربه، ومن ثم فما نطلبه إنما نلتمسه من الإله على مبدأ النعمة.

فكل صوم فيه أكل أو شرب لا يعتبر صوماً كتابياً.

4- ومن مميزات الصوم ألا يكون فرضاً بشرياً – أي أنه اختياري.

فقول الرب “فمتى صمت..” يدل على أن الصوم مسألة خاصة بين الفرد وربه في حالة الفرد، وبين الجماعة وربها في حالة صوم العائلة أو الجماعة، فحتى صوم الجماعة لا يفرضه عليها أحد أو نظام لكن باتفاق معاً كصوم الشعب وقت أستير لظرف طاريء (أستير 15:4-17).

وكما حدث في صوم خدام الرب معاً في أنطاكية لأجل عمل الرب المشترك بينهم (أعمال2:13).

هذا الصوم الاختياري هو الذي يدعو إليه الرب بعمل روحه في القلوب،” قدسوا صوماً”

أما الصوم الذي يفرض سنوياً كتقليد فيحرمه الكتاب تحريماً باتاً.

“فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب” (كو 16:2).

“وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس” (متى 9:15).

مصاحبات الصوم:

1- التوبة إذا كان بهدف التذلل أمام الإله، والرجوع عن الشر.

“إرجعـــوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح، ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا الى الرب إلهكم…” (يؤ 12:2-14).

ومثل ما حدث مع أهل نينوى، ومع يشوع عند خيانة عخان.

أما الصوم بلا توبة ونوح ورجوع الى الرب فهو رياء لا يطيقه الرب كقوله “لست أطيق الإثم والإعتكاف” (أش13:1).

2- الصلاة ونجد الصلاة دائماً مقترنة بالصوم طيلة الوقت (متى 21:17) – (يونان 8:3) – (عزرا 23:8).

3- الانقطاع التام عن الأكل والشرب

أما إذا حرمت أنواع من الأكل وسمح بأكل أنواع أخرى، وفي أيام معينة فهذا ما يعارضه الكتاب وينهي عنه وما أشار إليه الرسول عن المضلين الذين “آمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق. لأن كل خليقة الإله جيدة ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر” (1 تي 1:4-7) وقد أوضح السيد المسيح أنه “ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان. بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان” (مت 10:15-20).

أما اذا قيل أن دانيال حلل البقول واعتبرها طاهرة وحرم اللحوم وامتنع عن أكلها فالرد أن ذلك لم يكن صوماً منه وإلا اعتبرناه صائماً مدى الحياة، في حين أن الصوم يوم له نهايته. وسر امتناع دانيال عن اللحوم، أنه كان يهودياً تحت الناموس الطقسي اليهودي ملتزماً بمطالبة وقد كان الناموس يحرم أكل الشحم والدم وما لا يشق ظلفاً وما لا يجتر وما ذبح للأوثان من البهائم وسكبت للأوثان من مشروبات – وكان دانيال يجد كل هذه في بابل فجعل في قلبه انه لا يتنجس بأطايب الملك وخمر مشروبه (دا 8:1-12).

أما المسيحي فقد تحرر من هذه القيود الناموسية بموته للناموس بموت المسيح (روميه 1:7-7) لذلك قال المسيح لبطرس عن الحيوانات التي كان يعتبرها نجسة وحرم أكلها “ما طهره الإله لا تدنسه أنت” (أ ع 10:10-16).

أما إذا قيل إن الرسول قال “أن الضعيف يأكل بقولاً (رومية 2:14) وأنه يعتبر يوماً دون يوم وأنه حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف ” (رومية 21:14).

فالرد ان الموضوع هنا ليس الصوم بل هو شخص مسيحي كان أصلاً يهودياً تحت الناموس، لكنه لضعفه يجعل مركزه الجديد كمن للناموس، فهو لا زال يربط نفسه به.

وهذه حالة خاصة في كنيسة رومية حيث كان كثيرون من اليهود المتضررين وحيث كانت هناك الأصنام الرومانية التي تذبح لها الذبائح.

خطأ الأصوام الدورية الثابتة:

إن هذه وصايا الناس وفي هذا يقول الرسول “فلا يحكم عليكم احد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت” (كو16:2) وأما الآن في المسيحية “إذا عرفتم الإله، بل بالحري عرفتم من الإله فكيف ترجعون أيضاً الى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد؟ أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين – أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً (غل 9:4 و 10).

فإذا قيل إن لوقا أشار في (اعمال 9:27) بالقول “اذ كان الصوم أيضاً قد مضى، “نقول إنه يشير بذلك الى صوم من الأصوام اليهودية التي كانوا من قديم قد فرضوها على أنفسهم في أوقات معينة وهذا ما ينهى عنه الكتاب. وذكر لوقا لهذا الصوم من قبيل التاريخ وليس التعليم أو التوصية به كقوله مثلاً في (أعمال6:20)” وأما نحن فسافرنا في البحر بعد أيام الفطير” – أي يستخدم هذه المناسبة لذكر التاريخ فقط.

لكن الرب يتبرأ من كل صوم يفرضه الإنسان على نفسه أو غيره كفريضة دورية ثابتة – كما ورد في (زكريا 1:7-6).

“وكان… لما أرسل أهل بيت إيل… قائلين أأبكي في الشهر الخامس منفصلاً كما فعلت كم من السنين هذه؟ ثم صار الى كلام رب الجنود قائلاً: قل لجميع شعب الأرض والكهنة لما صمتم ونحتم في الشهر الخامس والشهر السابع وذلك هذه السبعين سنة فهل صمتم لي أنا؟ ولما أكلتم ولما شربتم أفما كنتم أنتم الآكلين، وانتم الشاربين؟”

أي أن ما فعلتموه كان من تلقاء أنفسكم بغير أمر مني، ومن ثم فلا شأن لي بأصوامكن ولا بأيامكم.

لذلك فالأصوام التقليدية المفروضة بالإضافة الى أنها بلا دواع شخصية أو عائلية أو كنسية، فإنها لم يأمر بها الإله ولا تتمتع بمميزات الصوم الكتابي كالسرية أو الانقطاع التام عن الأكل والشرب أو النوح على حالة معينة والتماس المراحم.

وإليكم أمثلة:

أ. الصوم المسمى “بالصيام الكبير” ويقال إنه للتمثل بالرب في صومه.

ومع أن واجب المؤمنين التمثل بالمسيح إلا أنهم من جهة الصوم وإن استطاعوا أن يتمثلوا به في مبدئه إلا أنهم يعجزون عن التمثل به في نوعه.

فقد كان صومه إنقطاعاً تاماً عن الأكل والشرب طيلة الاربعين يوماً .

وقد صام الرب هذه المدة مرة واحدة ولم يكررها في كل ميعاد.

وبذلك لا يكون الصوم الكبير إقتداء بالمسيح. وهو لم يطلب ذلك من المؤمنين فقد كان صيامه أمراً خاصاً به لكي يوجد نفسه في تجربته في ظروف مضادة لظروف آدم الأول الذي جرب في الأكل وهو في جنة، ومسموح له بكل أنواع الكل، أما يسوع فجرب وهو في صحراء وهو جوعان وذلك ليبرهن على عصمته كإنسان وعلى أهليته أن يقدم نفسه كفارة عن البشر.

ب. الصوم المسمى صوم الرسل – لا نجد في الكتاب المقدس ذكراً أن رسل المسيح صاموا صوماً متواصلاً لمدة شهر. الذي ورد ذكره في (أعمال 1:13-3) أن بعض الأنبياء كانوا في أنطاكية يخدمون الرب ويصومون ولم يكن منهم أحد من الرسل الإثنى عشر وكان صيامهم تذللاً لينصرهم الإله على الصعاب التي تعترض الخدمة ولا مانع أن خدام الرب يقتدون بهم حسب ظروفهم ولكن ليس بصوم مفروض.

ج. الصوم المسمى بصوم العذراء

– لم يرد في الكتاب أن العذراء صامت.

– خطأ هذا الصوم أن من يصومه يتعبد للعذراء ويتشفع بها لقضاء مصالح زمانية كإطالة عمر الأولاد ونجاح الامتحانات وشفاء الأمراض – وهذه كلها فوق أنها جسديات لا تتصل بملكوت الإله وبره فإنها موجهة إلى انسان مهما كان مقامه رفيعاً مكرماً، ولا يليق النذر لإنسان. والقديسون في الكتاب رفضوا ان يعبدوا، ومزقوا ثيابهم تبرءاً من نذر النذور لهم وذبح الذبائح أو تقديم العبادة لهم (أعمال 8:14-18) لأن العبادة في كل أشكالها من حقوق الإله وحـــده (متى 10:4). وقد قيل “ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان..” (إرميا 5:17-8).

د. الصوم المسمى صوم نينوى – وهنا يقول البعض انه مثل يونان. ويونان لم يصم لأن الصوم يجب أن يكون اختيارياً اما يونان فكان في جوف الحوت ولم ينو الصيام.

أما إذا قيل انه مثل شعب نينوى، فقد كان هذا مصحوباً بتوبة، بناء على كرازة يونان وإنذاره ولا توجد إشارة انهم صاموا ثلاثة أيام – وهذا واجب الخطاة عند توبتهم وليس عادة سنوية.

هـ. صوم الجمعة الكبيرة

اذا قيل كان المسيح متألماً ويجب أن لا نكون فرحين. نرد بأن المسيح قال للواتي كن يبكين عليه “لا تبكين علي بل إبكين على أنفسكن” (لو 28:23).

كما أن المسيح لم يكن ذاهباً للصليب مغلوباً على أمره بل برضاه لأجل خلاصنا.

وواجب المؤمنين ان يفرحوا لأجل الخلاص “فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا إذاً لنعيد” (1 كو8،7:5).

وذكرى موت المسيح نذكره بالعشاء الرباني بابتهاج.

و. صيام قبل التناول من فريضة

عشاء الرب، نقول أن الفريضة تمت بعد العشاء. وعندما خلط أهل كورنثوس بين الطعام العادي وعشاء الرب قاله لهم الرسول “إن كان أحد يجوع فليأكل (أكله العادي) في البيت” (1كو 33:11 و 34).

أما التذلل من أجل الخطية فيمكن أن يكون في أي وقت.

الخاتمة

كيف تصوم أنت!

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments