ما المقصود بقولكم أن المسيح هو ابن الإله؟
ينبغي أنْ يكون واضحاً بأننا لسنا من يقول بأنَّ المسيح هو ابن الإله، فالذي يقول ذلك هو كلمة الإله المقدسة بعهديها القديم والجديد، فنحن لا نتبنى عقيدة بشرية أو ندافع عن مفهوم بلوَرَه العقل البشري.
قال سليمان الحكيم في حديثه مع الإله:
“من ثبت جميع أطراف الأرض؟ ما اسمه وما اسم ابنه إنْ عرفت؟” (أمثال4:30)،
وقال النبي أشعياء متنبئاً عن المسيح الذي سيولد من عذراء:
“لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام” (أشعياء6:9).
ويصوره النبي دانيال إلهاً يُسرع إلى نجدة ثلاثة فتية أُلقيَّ بهم في أتون النار من أجل اسمه، حينئذ تحيَّر نبوخذ نصر الملك وقام مسرعاً فأجاب وقال لمشيريه: “ألم نلق ثلاثة رجال موثقين في وسط النار؟ فأجابوا وقالوا للملك صحيح أيها الملك، أجاب وقال: ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة” (دانيال25:3)، وهذا غيض من فيض، فالعهد القديم يزخر بالآيات التي توضح طبيعة المسيح السماوية.
وعلى الرغم من أنَّ بنوة المسيح للإله حقيقة تفوق العقل البشري المخلوق المحدود، فإنَّ العهد الجديد أيضاً يوردها صراحة ودون أي استحياء أو محاولة للاعتذار، وقد جعل الإيمان بها أساس الخلاص من دينونة الإله “الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن به قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الإله الوحيد” (يوحنا18:3)، غير أنَّ هذه الحقيقة ليست من النوع الذي يمكن التوصل إليه بالعقل البشري المجرد، حين سأل المسيح بطرس عما يعتقده فيه، أجاب “أنت المسيح ابن الإله الحي”، فأجاب يسوع وقال له: “طوبى لك يا سمعان ابن يونا، إنَّ لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات” (متى17:16)، لابد أنْ يكون هناك إعلان من الإله لكل إنسان حتى يفهم هذه الحقيقة ويقبلها، تول كلمة الإله أيضاَ: “وليس أحد يقدر أنْ يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” (1 كورنثوس3:12)، إنَّ الأمور التي تفوق العقل هي التي تحتاج إلى إيمان، أما الأمور الأخرى فلا تحتاج إلا إلى الحسابات والتصديق المنطقي، لم يكن سهلاً على الناس حتى في زمن المسيح أنْ يقبلوا قوله عن نفسه بأنه ابن الإله الوحيد، تقول كلمة الإله “فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أنْ يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاَ أنَّ الإله أبوه معادلاً نفسه بالإله” (يوحنا18:5)، ومن الملاحظ أنَّ نفس الروح التي كانت تحاول إثارة غضب الناس على هذا الحق الإلهي ما زالت فيهم حتى يومنا هذا.
لنحدد أولاً ما لا نقصده بقولنا أنَّ المسيح هو ابن الإله، فنحن بالتأكيد لا نقصد أنه ابن بالتناسل، الإله لم يولد وهو لهذا لا يلد، يوضح لنا المسيح نفسه أنَّ “الإله روح” (يوحنا24:4)، فمن السخف والتجديف الاعتقاد بأنَّ له جسداً وأعضاء تناسلية للقيام بهذه العملية، ولهذا لا يمكن قبول القول بأنَّ ينجب ولداً من امرأة من البشر، ولقد قامت الكنيسة المسحية عبر العصور بمحاربة الفكرة الشيطانية التي تحاول النيل من سمو الإله وكماله، ولقد عُرفت هذه البدعة عن القائلين بالثالوث المريمي، والذين كانوا يقولون بوجود ثلاثة آلهة هم الإله ومريم والمسيح. إننا نؤمن ببنوة المسيح الروحية لا الجسدية للإله، فنحن نقول أنه ابن الإله، لا ولد الإله، لا نؤمن بأن بنوة المسيح للإله بنوة تاريخية محدثة، ولكننا نؤمن بأنها روحية أزلية أبدية، فالمسيح لم يُخلَق، ولم يكن هنالك وقت كان فيه المسيح غير موجود، تتحدث مثلاً كلمة الإله بلسان المسيح: “منذ وجوده (وجود الإله) أنا (المسيح) هناك” (أشعياء16:48)، كما تكلم النبي ميخا عن أزليته عندما تنبأ عن مولده في بيت لحم: “أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة لن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل” (ميخا2:5)، لقد كان الإله الآب أباً منذ الأزل، وهذا يعني أنَّ الابن يسوع المسيح كان ابناً له منذ الأزل. إذا أردت أن يكون لأبوة الإله الأزلية أي معنى، فوجود الآب متزامن مع وجود الابن.
فلا يمكن أنْ يكون أب بدون ابن ولا ابن بدون أب، فالمسيح دائم التوالد من الآب كما أنَّ النور دائم الانبثاق من الشمس.
إنَّ المعاني المتعارف عليها والمتضمنة في كلمة “ابن” تساعدنا في إلقاء الضوء على معنى بنوة المسيح للإله، فالابن يحمل نفس جوهر أبيه، ويعكس صورته، وهكذا فإنَّ المسيح يحمل نفس الجوهر الإلهي الذي يحمله الآب، ولهذا لا يتردد الكتاب المقدس في تسميته بالإله “وكان الكلمة الإله” (يوحنا1:1) وهذا هو الإله الحق (1يوحنا13:5) فالمسيح إذاً هو الإله وابن الإله، كما أنَّ الإنسان المولود يكون إنساناً وابن إنسان في نفس الوقت، فيقال إنه إنسان إشارة لطبيعته، وابن إنسان إشارة لأصله وعلاقته بأبيه.
قال المسيح “الذي رآني فقد رأى الآب” (يو9:14)، كما أنَّ الابن يملك كل ما يملكه أبوه، قال المسيح “كل ما للآب هو لي” (يوحنا15:16).
كما أنْ للابن سلطان أبيه، قال المسيح “دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض” (متى18:28)، والابن يتحدث لغة أبيه ويتبنى تقاليده ويحمل قِيَمه ومقاييسه، وهذا ما يُقصد عادة عند القول بأنَّ فلاناً ابن الأردن أو ابن مصر، يقول يوحنا “ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءً نعمةً وحقاً” (يوحنا14:1)، لهذا يَنسِب الكتاب المقدس للمسيح كل الصفات والكمالات الإلهية، كما تتضمن البنوة معرفة خاصة بين الابن وأبيه، قال المسيح “ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أنْ يعلن له” (متى27:11). وهناك أيضاً العلاقة الوطيدة والمحبة المتميزة القوية بينهما، خاطب المسيح الآب قائلاً: “لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم” (يوحنا24:17)، والابن مصدر فرح أبيه وسروره، قال سليمان على لسان المسيح “كنت كل يوم لذته فرحة دائمة قدامه” (أمثال30:8).
كما تفيد كلمة ابن المساواة، تقول كلمة الإله: “فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أنْ يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً أنَّ الإله أبوه معادلاً نفسه بالإله” (يوحنا18:5)، وأيضاً قال المسيح “أنا والآب واحد” (يوحنا30:10).
كما أنها تتضمن الاتكال على الإله في كل شيء، وذلك لارتباط الابن بأبيه، فعندما جاء إلى الأرض مُرسلاً من الإله كان يُشير دائماً إلى شهادة الإله له ومؤازرته له، قال اليهود “قد اتكل على الإله، لأنه قال أنا ابن الإله” (متى43:27).
وتتضمن أيضاً الطاعة ضمن المهمة المرسومة له والمتفق عليها سابقاً، وهي طاعة المحبة والانسجام والتوافق، لا طاعة العبد الأقل أصلاً وشأناً من سيده، قال يسوع “أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته” (يوحنا10:15)، فهو يحفظ وصايا أبيه لأنها لا تختلف عن وصاياه.
وتستخدم اللغة العربية كلمة “ابن” لتشير إلى مفاهيم لا علاقة لها دائماً بالتناسل الجسدي كقولنا “ابن السبيل” و”ابن البلد” و”أبناء الجامعة” و”بنت شفة” و”بنات الأفكار” وما شابه.
إنَّ أهم نقطة يجب الانتباه إليها هي أنَّ البنوة لا تعني الانفصال، قال المسيح “أنا والآب واحد” (يوحنا30:10)، كما قال “أنا في الآب والآب فيَّ، والكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال” (يوحنا10:14)، فالإله واحد لا يتجزأ، أننا نؤمن أنْ الإله موجود بذاته، وهذا يسميه الكتاب المقدس “الإله الآب”، وناطق بكلمته وهذا هو “الابن”، وحي بروحه وهذا “الروح القدس”، إله واحد وليس ثلاثة آلهة، لأنه لا يمكن أنْ يكون الإله ذو الوجود الذاتي غير ناطق بكلمته وغير حيّ بروحه، وحين نقول بأنَّ المسيح هو كلمة الإله، فإننا نعني بذلك أنه القوة العقلية الإلهية الشخصية الحافظة لنظام الكون، ويقصد بالكلمة أيضاً تعبير الإله الشخصي عن ذاته، فالمسيح يعلن الإله كما يعلن كلامنا عن أفكارنا، لهذا قال “الذي يراني يرى الذي أرسلني” (يوحنا45:12)، والمسيح “بهاء مجده ورسم جوهره” كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين، وهو لهذا أسمى تعبير وأكمله عن الإله، لهذا يقول الكتاب: “وكان الكلمة الإله” (يوحنا1:1)، وتفيد أيضاً أنَّ له الحق في الحصول على نفس الدرجة من التكريم والإجلال، قال السيد المسيح: “لكي يُكرم الجميع الابن كما يُكرمون الآب، من لا يُكرم الابن لا يُكرم الآب الذي أرسله” (يوحنا23:5).
دون فهم لكون المسيح ابن الإله لا نستطيع أنْ نفهم عظمة محبة الإله لنا وتضحيته بابنه على الصليب من أجلنا “لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا16:3).